تسطع صفحات التاريخ بالنور وهي تروي لنا حادثة جبلة بن الأيهم ملك غسان والبدوي الفزاري الذي وطئ على إزاره.
كانت دولة القياصرة تحرض أمراءالغساسنة _وهم في حمايتها_على غزو الجزيرة العربية وكانت الجزيرة في قلق دائم من توقع هذه الغزوة بين ساعة وأخرى ثم بدا للأمير الغساني جبلة بن الأيهم أن ينضوي إلى أبناء قومه العرب ويتخلى عن ملكه المهدد في ظل الدولة البيزنطية الذي أوشك أن ينحصر من حوله فسر عمر بن الخطاب وكتب إليه أن أقدم ولك ما لنا وعليك ما علينا.
فقدم جبلة إلى الحجاز في خمسمائة فارس عليهم ثياب الوشي المنسوج بالذهب والفضة ...
فلم يبق بالمدينة رجل ولا امرأة ولا صبي إلا خرج ينظر إلى الموكب الفخم الذي لا عهدله بمثله وكان فتحا عظيما بغير عناء وراحة من قلق ظل يساور الدولة الناشئة عدة سنين.
وحضر جبلة موسم الحج وخرج يطوف بالكعبة فوطئ على إزاره رجل من بني فزارة فحله وكبر الامر على جبلة فلطم الفزاري فهشم أنفه وذهب الفزاري الى الخليفة عمر يشكو الأمير.
بعث عمر الى المعتدي فسأله:ما دعاك يا جبلة إلى أن لطمت أخاك هذا فهشمت أنفه؟فاستمع الأمير إلى السؤال وهو يعجب وخطر له أنه قد ترفق بالبدوي لأنه لولا حرمة البيت -كما قال-لأخذت الذي فيه عيناه.
قال عمر:إنك قد أقررت فإما أن ترضيه وإلا أقدته منك (أخذت حقه منك)،قال جبلة دهشا:تقيده مني؟ تقيده مني وأنا ملك وهو سوقة؟قال عمر :الاسلام قد سوى بينكما.قال الامير:إني رجوت أن أكون في الاسلام أعز مني في الجاهلية.فما زاد عمر على أن قال:هو كذلك.
قال جبلة :إذن أتنصر
قال عمر :إذن أضرب عنقك.وتصاول قوم جبلة وبنو فزارة فكادت تكون فتنة فأرجئ الأمر الى غد وخرج جبلة من المدينة تحت سواد الليل.
النص منقول من كتاب الديموقراطية في الإسلام لعباس محمود العقاد